Monday, June 27, 2011

[همس الغلا®:12884] حينما يعتبر الكمال نقصآ




 

حينما يعتبَر الكمال نقصاً


" ألم يجدْك يتيماً فآوى "


تناقلَ الناسُ، على مضضٍ و أسَى و غضبةٍ، ما قال الدكتور طارق الحبيب في وصف النبي صلى الله عليه و سلم بأنه ناقصٌ، أي قبل أن يُعطى النبوة، حيث سلَك مسالِك التحليل النفسي، و لا عيبَ في التحليل النفسي بصورة عامة، إذ هو علمٌ، و إنما العيبُ في شيئين: الخطأ في نتيجته، الشخص الممثَّل للتحليل. و الدكتور لم يُصبْ في هذين الشيئين حينما شرعَ مُحلِّلاً شخصية الرسول صلى الله عليه و سلم.


و هنا شيءٌ من الوقفاتِ:

أولاً:

النبي صلى الله عليه و سلَّمَ مُكمَّلٌ من جهتين، من جهة كونه بشراً، دون النبوة، فصفاته و أخلاقه و خِلْقَةُ جسمه على أكمل ما تكون، فليس مُعاباً في شيءٍ من ذلك، حيث هو من آصَلِ من يدخلُ في عموم قولِ الله " لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" و الأنبياءُ أكملُ الناسِ. و أيضاً على نعتِ الله له " و إنك لعلى خُلُقٍ عظيم "، هذه جهة كماله البشري. و أما الجهة الأخرى فهي كمالُه بالنبوَّةِ، و عدم وجودها قبلَ أن تأتيه لا يعني أنه كان ناقصاً، فالنبوةُ كمالٌ منفردٌ عن الكمال البشري، و هو أكمل الأنبياء نبوة، و أكمل الرسلِ رسالةً، و من هذا الكمال خصائصه التي منحه الله إياها دون غير من البشر، حتى إخوته الأنبياء. فجمع الله له الكمال بحذافيرِه، و لا يرى في كماله نقصاً إلا من نقصَتْ رؤيته.

ثانياً:

ليس الأنبياءُ مضارِبَ أمثال الامتحان. في كتابه " تنزيه الأنبياء عن تشبيه الأغبياء" قرر الإمام السيوطي، رحمه الله، عدم جواز ضرب المثل بالأنبياءِ على أحوال الناس، قال ذلك حينما جاءَ شخصٌ عُيِّرَ بأنه رعى المِعْزى فقال أبوه لمن عيَّر ابنه في ذلك: الأنبياء رعوا المعزى. فكانت فتوى السيوطي في ذلك أن يُعزَّر التعزير البليغ. و السبب في ذلك أن مقام الأنبياء مَصون محفوظ، و الله جعلهم في مقامات الكمال لئلا يَطولهم كلام منتقصٍ في شيءٍ، و لا سبيل لأحد أن ينتقصَ نبياً في شيءٍ من خَلْقِهِ أو خُلُقِهِ أو رسالته، فالله اصطفى، و العظيم يصطفي على قدر عظمته.

و ضربهم مثالاً للأحوال مما يستدعي الوقوع في الخطأ، حيث لا يتصوَّر الضارب بهم مثلاً أحوالهم و مناسبة أحوال المتأخرين، وهذا ما كان في تحليل الدكتور طارق الحبيب، و كما هو الحالُ في قصة السيوطي، ففي قصة السيوطي كان رَعيُ المعزى للأنبياءِ من تكميل أخلاقهم، فالله لا يختار لأنبياءِ النقصَ، و لا يجعلهم في حالة نقصٍ أبداً، فكان رَعْيُهم الغنمَ من تمام التواضع، و من باب إباحة العمل بها، إذ كان ينفُرُ منها قومٌ على غير وجهِ صحة، فكان تشريعاً للعمل الشريف. و أما غيرهم ففي الغالب أنهم لا يلجأون إلى رَعْيِ الغنمِ إلا من فاقةٍ و فقرٍ، و لا يخفى. و في حالة الدكتور طارق الحبيب كذلك عدم مناسبة بين حال الرسول صلى الله عليه و سلم في زواجه من زوجتَيْه الأكبر منه و الأصغر منه، فليس عن فقدٍ للحنان، أو نقصِ العاطفة الأنثوية التي تحتويه، و هنا مغالطة فلا أحد يملأ نقصَ الحنان لدى الإنسان مكان الأم، لا زوجة و لا غيرها، فلا خديجة و لا عائشة و لا جميع زوجاته صلى الله عليه و سلم يملأنَّ و يُكملْنَ نقصَ الحنان الذي فقده بسبب موت أمه، فلكل أنثى تتصلُ برجلٍ حنانٌ خاصٌ بها، يجده الرجلُ فيها لا في غيرها، فكما لا يجد في أمه حنان الزوجة، فكذلك لا يجد في زوجته حنان أمه، فالقياسُ باطلٌ من أصله هنا. فزواجه بهنَّ كان من تكميل الله عز و جلَّ له في خصائصه، و كان ذلك نوع تشريعٍ لجواز ذلك، حيث ينأى الرجل أن يأخذَ أكبَر منه، و تأى البنت أن تأخذَ من هو في سِنِّ أبيها، فكان فعلُه تشريعاً لجواز ذلك. و أما الناس اليوم في نكاح الصغيراتِ فليس إلى ذلك في شيءٍ إنما هو شيءٌ من نزوةِ كبيرِ سنٍّ لقِيَ من ينطلي عليه عبثُه، و فيه مفاسِد، و ربما مصالِح، تتعلق بحالةٍ اجتماعية، و لا اعتراضَ على شرعٍ، و إنما رؤية لحال مجتمعٍ، و منافسَةٌ من العبثِ. فهنا لا تناسبَ بين الأحوال في ضربِ الأنبياءِ أمثالاً للناسِ.

ثالثاً:

في قراءةٍ لسيرة النبي صلى الله عليه و سلم، سواءً القولية أو العملية، لا نجد استشعارَه بالنقصِ فيه، و عند النفسيين أن استشعار الإنسان النقصَ يؤثِّرُ على سلوكه، و لم نجدْ في سلوك النبي صلى الله عليه و سلم شيئاً كان سببه الشعور بالنقصِ، فالله كمَّلَه و جمَّلَه و جلَّلَه، و جعلَ في مقامات أكارم خلقِه، يعرف ذلك كل من وقفَ على حياته وقفةً مليئةً بالجمال.

رابعاً:

في سَوقِ الله تعالى نعمه على رسوله صلى الله عليه و سلم ما يُثبتُ عدم احتياجه إلى الناس، لا أُمٌّ و لا أبٌ، ففي قولِ الله " و الله يعصمك من الناس " أي يحفظك منهم، ففيه إغناءٌ له عن أي أحد منهم. و في قوله " ألم يجدكَ يتيماً فآوى" و " ووجدك عائلاً فأغنى " كفايته من احتياجه إلى أحد غيرِ الله، فمن آواه الله لا أحد يُكافئُ إيواءَه، و من أغناه لا أحد يوازي إغناءَه، فما له غيرَ الله حاجةً و لا مطلباً.

خامساً:

في فقده أمه علامة على كماله و استغنائه عنها، و الله إن أفقَدَ أنبياءَه شيئاً فإنه يُكمِّلُهم من عنده، و إكمال الله خيرٌ و أدوم و أوفى.

سادساً:

في عدم الخوض في ضرب المثلِ بالأنبياءِ أدبٌ معهم، فإذا كان بعض العلماءِ تأدبَ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سَوْقِهم حديثَه " لو أن فاطمةَ بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها " كان يسوقونه بلفظ " لو أنَّ فلانة سرَقَتْ " و لا يذكرون فاطمة، فإنَّ التأدُّبَ في عدم ضربِه مِثالاً من تمام التوقيرِ و التعظيم له.

و لا يعني هذا أنهم معصومون عن الخطأ، فالخطأ واردٌ على البشر، وهم لم تنتفِ عنهم بشريتهم، لكن حينما يُوْرَدُ الخطأ الواقع منهم مَوْرِد أنهم ناقصون هنا يكمن التركُ للتأدب معهم، وهذا ما ينافي تعظيمهم و إجلالهم، و وقوع الخطأ من أهل الكمال لا يُوجِبُ وصفهم بالنقصِ، و إنما يُسلَك مسلك بيان الصواب بأدبٍ كما يليق بهم.

سابعاً:

لا يعني المنع من عدم ضربِ الأنبياءِ مثالاً على الأحوال في كل شيءٍ، و إنما فيما يُوهم أن يكون إنقاصاً من مقامهم، ففي هذا التحليل بدا أن النبيَّ صلى الله عليه و سلم كان ناقصاً، و هنا مكمن الخطَرِ الذي حظَرَ أن يكون مضرِبَ مثلٍ للناس في أحوالهم، لكن حينما يكون ضربهم مثالاً فيه بيانُ كمالهم فلا شيءَ في ذلك، بل هو أصلُ مقام الاقتداءِ بهم، كما هو الحال حينما يُساقون مثالاً على حُسن التعامل مع الناس، و كمال أخلاقهم.

ثامناً:
 لا يعني موقفنا من كلام الدكتور طارق الحبيب أن يُوضَع في موضِعِ العَمْدِ منه، بل لعلها عثرةٌ و زلَّة، فيجب التنبيه ليس إلا، و أما الدعوة إلى أن يُحاكَمَ قضائياً، أو الخوض في نيته، فليس من أدب النبوة في شيءٍ، فلا تدفعنا الغيرةُ على جناب الرسول صلى الله عليه و سلم إلى انتهاك أعراض المسلمين أو الخوضِ في نياتهم واتهامهم في اعتقاداتهم، و قد كان هو صلى الله عليه و سلَّم أسبَقَ إلى هذا الكمال حينما قال " أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم "، و أيضاً " ارحموا عزيزَ قومٍ قد ذلَّ "، و من ثبَتَ من أصلُ الأدبِ مع النبي صلى الله عليه و سلَّم فلا يُنْقَض بزلةٍ، إذ اليقين لا يزول بالشكِّ، و أولى من ذلك ألا يزول بخطأ، و الدكتورُ ممن عُرِفَ أصلُ حالِه فلا يُحكم لأجلِ زلةٍ بزوالِه، و كان هذا تعامُل العلماء العقلاء مع ذوي الهيئات و المقامات، فلما نُقل عن أحدهم أنه قال: " النبوة العلم" قام بعضٌ أهل الاستعجال في رميه بالزندقة، و هو من جهلهم غي سَوقِ اللغة، فلم يقصد أن النبوةَ ليست إلا تحصيلَ للعلم، أو أنها تُنالُ بالعلمِ، و إنما أراد بيان أن أعظم ما فيها هو العلم كما في حديثِ " الحج عرفة" و بيَّن ذلك رداً على أولئك المتعجلين الإمام الذهبي.

 
http://alotaig.com/?p=451



 

 

 

 

 

 

 



--
لقد تلقيت هذه الرسالة لأنك مشترك في مجموعة    همس الغلا.
لتقوم بارسال رسائل لهذه المجموعة ، قم بارسال بريد الكترونى الى
jarh5000@googlegroups.com
لإلغاء الاشتراك في هذه المجموعة، ابعث برسالة الكترونية الى
jarh5000-unsubscribe@googlegroups.com
لخيارات أكثر , الرجاء زيارة المجموعة على
http://groups.google.com.sa/group/jarh5000?hl=en
-----------------------
أثبت وجودك لا تقرأ وترحل شارك معنا ولو بأيميل واحد

لمن اراد التوقف عن استقبال ايميله من المجموعة
يرسل بريد الى الادارة jarh5000@hotmail.com
ويكتب يرجى التوقف عن ارسال رسائل البريد الإلكتروني من المجموعة.
وسيتم الغائه خلال 24 ساعة
--------------------------------
Who wants to stop receiving messages from the group
Send mail to Jarh5000@hotmail.com
.Please stop writing and sending e-mail messages from the group
Will be canceled within 24 hours

No comments:

Post a Comment