اليوم أنا طائفي
في ذكرى مجزرة حماة، ونحن نمرر شريط الزمن الى الوراء، ثلاثين سنة تحديدا، نشاهد صور ما تبقى من مدينة أبي الفداء في سنة ٨٢، نشاهد الأفلام الوثائقية القليلة التي ألقت الضوء على هذه الكارثة الإنسانية الكبرى، فأسمع صراخ الثكالى، وأنين المعذبين والمشرفين على الموت، تحت أصوات الرصاص والمدفعيات والرشاشات التي تهدم البيوت والمواقع الأثرية وتفتك بالبشر وتمزقهم كل ممزق، أتخيل اقتحام جنود رفعت الأسد للبيوت لسرقتها وقتل أهلها وانتهاك حرماتهم دونما رحمة أو إنسانية أو اعتبار لتوسلات ونحيب النساء والأطفال، بل لعل مظاهر الألم تلك كانت هي الحافز على الاستمرار بهذه الجريمة التاريخية التي يعجز اللسان عن وصف وحشيتها
.
أعود الى أرض الواقع فأجد مهندس هذه الجريمة مكرما مبجلا في أفخم المنتجعات في أوروبا وكأنه بطل قومي وأهل للثناء والاحترام، وحماة المكلومة قد سُميت ب"معقل الإرهابيين"، وقصة المجزرة قد اختُزلت في مسلحين متطرفين هددوا أمن البلاد فدخل جنود الأسد البواسل المدينة وخلصتها من شرورهم
.
وحينما أقلِّب هذه الذكرى في نفسي وشعوري مزيج من الألم والحسرة والغضب، فإذا بي لا إراديا أذكر مأساة الحرب على غزة نهاية العام ٢٠٠٨ وكيف اقتحمت قوات العدو الإسرائيلي القطاع الأكثر كثافة سكانية نسبة للمساحة في العالم، واسمع صوت المدفعيات والقنابل تنهمر كالمطر لا تكاد تخطيء كبدا رطبا، واستحضر حجة قادة الحرب الصهاينة آنذاك بأنها حرب على حماس والإرهاب وأنهم لايستهدفون المدنيين! وكذا تناقلت وسائل الإعلام الغربية الحجة ذاتها، وقُتل من قُتل في غزة، وأُصيب من أُصيب ودُمر ما دُمر ولم يُحاسب من القتلة أحد، بل إن شمعون بيريز أُعطي جائزة نوبل للسلام وصفق له العالم ووقفوا تحية إجلال وإكبار لخدماته
.
وقبل أن أجن من هذه الحقائق، وأصب جام غضبي على العالم العربي الأخرس الأطرش الأعمى، أقف مع نفسي للحظات، وأستحضر آلام الأمة كلها في العصر الحديث، فأذكر إخواننا في الشيشان الذين جاهدوا لوحدهم، ولم يُلق أحد لهم بالا بل دعم الكثير منهم روسيا الظالمة في حربها على الشماعة ذاتها، والإفك ذاته، والدجل والعهر والسفاهة والفبركة ذاتها، الإرهاب
!
وفي كل لحظة أظن أن حنقي قد زال، أعود لأغرق في ذكريات مجازر إخواننا في كوسوفو والبوسنة (وحال حمص الآن لا يختلف البتة)، أتذكر المذابح والمقابر الجماعية، أتذكر آلاف الثكالى المغتصبات، أتذكر آلاف اللاجئين والمشردين، أتذكر الصلبان المرسومة بالسكاكين على أجساد المسلمين، والقساوسة الأرثوذوكس يختطفون الأطفال لشحنهم ثم تنصيرهم، والعالم يشاهد! بل يتحرك بكفاءة لنزع سلاح جيش تحرير كوسوفو الذي قويت شوكته! وفوق كل هذا وذاك، تسلط الأضواء على "الإرهاب" ووحشية المسلمين الذي هو في الأصل صنيع الغرب وملاذه الأخير لتحقيق أجندته
!
أقوم من مجلسي وأتخيل نفسي في حوار مع من يصدق ترهات الإعلام، وأسأله، ألم تتحالف كتائب أمل الشيعية تحت إشراف المجرم نبيه بري مع الكتائب المسيحية بقيادة المجرم إيلي حبيقة ومع الجيش اليهودي الإسرائيلي بقيادة المجرم شارون ليُقدموا على أبشع المجازر بحق الآلاف من المسلمين الفلسطينيين واللبنانيين فيما عرف بمذبحة صبرا وشاتيلا؟؟ ألم يتحالف جيش حافظ الأسد العلوي مع الجيش الإسرائيلي (وليست تلك المرة الأولى) والميليشيات المارونية وقاموا بقصف همجي دموي فتك بإخوننا في شرق بيروت فيما عُرف بمجزرة تل الزعتر؟؟ ألم تكن نفس الشماعة؟ ملاحقة المسلحين الإرهابيين؟ وهل كان ضحيتها أصلا غير المدنيين العُزل؟ ألم يحصد جيش الصدر وكتائب المهدي أرواح المئات من مسلمي العراق؟ ألم تزل الميليشيات العراقية الصفوية ومرتزقة حزب الله والباسيج الإيراني تتلذذ بل تتقرب إلى الله والأئمة بذبح أبطال الحرية في سوريا؟ من يجرؤ على اتهام نبيه بري بالإرهاب؟ من يجرؤ على اتهام نوري المالكي بالإرهاب؟ من يجرؤ على اتهام الشيعة والعلويين والنصارى واليهود والهندوس والعلمانيين بالإرهاب؟ ألم تكن تفجيرات الثمانينات في حماة، وتفجيرات محطات القطار في روسيا والاشتبكات مع مسلحين مسلمين في البلقان وتفجيرات المراقد في العراق من تمويل وتخطيط وهندسة الجهات التي استفادت منها أيما استفادة وغنمت منها أيما غنيمة يا أهل الفطنة والدهاء؟ إن أي مسلم يتفوه بهذه الحقائق سرعان ما يُنعت ب"الطائفي"، أليست من المسلّمات أن أي مسلم يشير ولو من بعيد إلى أهمية الوحدة الإسلامية والوقوف في وجه الأطماع الفارسية الصفوية والمكائد الصليبية النصرانية والأجندة الصهيونية اليهودية هو بنظر العالم طائفي متطرف!؟
في هذه اللحظات العاطفية المتقدة، أكابر عن نفسي وأستشعر ضحول تفكيري حين أذكر ماقاله الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ( تتكالب عليكم الأمم كما تتكالب الأكلة على قصعتها ) وما دعاه ابن عطاء الله ( يا رب ماذا فقد من وجدك وماذا وجد من فقدك) فلم يعد يعنيني هذا الأمر قط، وإني لأقولها علانية، إن كان وقوفي مع إخوتي وغيرتي على ديني وأهلي ورسولي صلى الله عليه وسلم طائفية، فأنا منذ هذه اللحظة أول الطائفيين، إن كانت أحلامي وطموحاتي في تحقيق أمة إسلامية آمنة سخية رخية تعيش في كنفها جميع الأطياف والأقليات بعدل وسلام هدفا طائفيا، فيا مرحبا بالطائفية، ويا لحظ من كان طائفيا مسلما، ويا لشرف من انتمى للطائفية الإسلامية من قريب أو بعيد
.
إن طائفيتنا التي تبغضونها هي التي حفظت أمنكم لأكثر من ثلاثة عشر قرنا تحت راية التسامح بل الإيثار على النفس، والله ثم والله، لعيش النصراني واليهودي والعلوي بين المسلمين في هذه القرون خير وأعدل وآمن من عيشهم الآن، ووالله لن يهنأ لنا عيش حتى تعود الراية لأمة محمد صلى الله عليه وسلم بعد انتصار ثورة الحق والكرامة السورية، فمن لم يعجبه كلامي، فسوف أعاهده بأن تكون طائفيتي على قدر طائفيته، وشتان بين طائفيتي وطائفيته.
لقد تلقيت هذه الرسالة لأنك مشترك في مجموعة همس الغلا.
لتقوم بارسال رسائل لهذه المجموعة ، قم بارسال بريد الكترونى الى
jarh5000@googlegroups.com
لإلغاء الاشتراك في هذه المجموعة، ابعث برسالة الكترونية الى
jarh5000-unsubscribe@googlegroups.com
لخيارات أكثر , الرجاء زيارة المجموعة على
http://groups.google.com.sa/group/jarh5000?hl=en
-----------------------
أثبت وجودك لا تقرأ وترحل شارك معنا ولو بأيميل واحد
لمن اراد التوقف عن استقبال ايميله من المجموعة
يرسل بريد الى الادارة jarh5000@hotmail.com
ويكتب يرجى التوقف عن ارسال رسائل البريد الإلكتروني من المجموعة.
وسيتم الغائه خلال 24 ساعة
--------------------------------
Who wants to stop receiving messages from the group
Send mail to Jarh5000@hotmail.com
.Please stop writing and sending e-mail messages from the group
Will be canceled within 24 hours
No comments:
Post a Comment